زارتني فكرة إرتكاب هذه الحماقة اللذيذة منذ
أكثر ما يقارب الأسبوعين,لكنني في كل مرة كنت أرتأي تأجيلها,علني أفقد رغبتي
وتمسكي المحموم بها .
ولكن على ما يبدو بأنها –هذه الحماقة- قد
تغلبت على عزيمتي الهزيلة في مقاومتها ,وهأنذا أبدا.
لست متأكدا تماما بأنني لن أندم على فعلتي
هذه التي لا تخلو من أنانية وشيء لا يمكن نكرانه من ال لا انسانية أمام ذاتي المجنونة بك وبكل ما
يخصك. ومنذ الأن أحمل نفسي نتائج هذه
الممارسة اللامدروسة.
الكتابة-بغض النظر-عن أسبابها وتوجهاتها-هي
فعل جميل ولذيذ,يمنحنا الفرصة لنرسم خيالاتنا وأوهامنا في دفتر جميل ومنتقى بعناية
وجهد كبير كهذا الدفتر ,ليكون محطتنا الأخيرة قبل أن يقرر الأرق بأن يعتقنا في آخر
ساعة من الفجر.
بعد قراري الحاسم والذي بات لا رجعة فيه,كان
لابد من زيارة أكثر من مكتبة للبحث عن دفتر جميل يليق بجمالك وسحرك ,رغم يقيني
المسبق بأن لا دفتر في العالم بأسره بإمكانه أن يحتضن هذه الكلمات التي تخصك أنت
وفقط.
سيدتي الجميلة:أجزم لك بأنك لن تجدي هنا شيئا
ممتعا أو ما يستحق الوقوف عنده , وبأنك ستكملين قراءة هذه الحماقة المملة إلى
آخرها فقط لأنها تتعلق بك.
اكتب إليك في دفتر رسم على غلافه حرف اسمك
الأول وبلون زهري فاتح , تعمدت أن أكتب إليك بخط يدي ,كي تصل إليك حرارة مشاعري
المضطربة في حضرة الكتابة إليك. وحاولت قدر استطاعتي أن أرفع من مستوى لغتي
الركيكة بالإستعانة بقاموس وكتاب إعراب, فكاتبة عظيمة مثلك يستحي متمكني اللغة من
مجاراتها ,فكيف بكاتب سيء للغاية مثلي!
ستكون هذه الحماقة هي هدية عيد ميلادك مني
,وكم أتمنى أن لا يخونني مزاجي المتعنت إلى وقتها . وربما سيتضاعف أعداد الدفاتر
لتصبح أربعا ,إن بقيت أكتب بهذه الغزارة ,لذلك ومن باب الإحتياط اشتريت أربعة
دفاتر يحوي كلا منها حرفا من حروف اسمك وبدأت الكتابة فيها بالترتيب حتى يصبح
الأمر سهلا عليك عندما تشرعين في قرائتها .. أعانك الله
إنها الثانية والنصف صباحا في مدينة الضياع
وخيبات الأمل ,في غرفتي الباردة والفارغة إلا من دولاب تكتنز فيه دشاديش تكاد كلها
تحمل اللون الأبيض الباهت ذاته, بإستثناء واحدة بخيط أخضر فاتح ) أحضرها لي أخي كي
ألبسها في حفل زفافه قبل أعوام خمس من الآن. وسرير يشبه النعش تماما بملأته
البيضاء. ومكتبة صغيرة تحتضن كل كتب الكآبة كما تدعي أختى الصغرى والتي هي نفسها
قد أضاعت نصفها .
هدوء رهيب يبتلع المكان , أستلقي على نعشي أراجع
ما كتبته لك قبل دقائق ,أصحح علامة ترقيم وألغي أخرى , أرفع اسم كان الذي كنت قد
نصبته وأنا أكتب على عجالة.بإختصار الكتابة إلى كائن مثلك موت ,ولكنه موت من نوع
آخر ,هو ألذ موت وأعذب فناء يمكن أن يغرق فيه المرء.
أعيش كسجين منفي عن العالم في هذه الغرفة
الباردة مع أوهام وحكايات استمدها من ذاكرتي تارة ,أو من مئات السيناريوهات الرومانسية
والتراجيدية المعدة باتقان للحظة اللقاء بك .وتارة أخرى أغوص في حوارات طويلة معك
عن الأدب وماركيز وباموق ومعلوف, ربما لو درست الأدب لكتبت فيك رواية أفرغ فيها كل
ذاك اللهب والحزن الذي أوقده الشوق في النفس, أو على الأقل لتغزلت بجمالك- الذي لا
تشبهك فيه كل نساء الارض- في قصيدة.
لست
على يقين بأن ثمة طائل من كل ما أهذي به هنا ,ولكنني على مطلق يقين بأنني خسرتك
إلى الأبد .لا زالت عبارتك الأخيرة ترن في أذني ,تخنقني وتقتلني ,تبكيني ألما
ومرارة ,أتجرع بها كل ليلة شتى أنواع العذابات وجلد الذات..
لطالما كنت ِ تحاولين اقناعي بأن الأوان لا
يفت أبدا ودوما هنالك متسع من الفرص لترميم ما انهدم وربما اعادته إلى وضع أفضل
مما كان عليه.
وبأن الأوان هنا هو ما نصنعه نحن , وهو –الأوان-
ليس سوى مرادفا للزمن , وهذا الأخير ليس سوى ضربا من ضروب الوهم.
اليوم بالذات أريد بقوة أن أقتنع بأن الأوان
لم يفت ,بل أنا مقتنع بها تماما, لكنك أنتِ من اسقط هذه القناعة في رسالتك الأخيرة
. رسالتك التي قتلتني واعادت ولادتي من جديد. وما أقساها من ولادة يكون ثمنها
خسارتك .
أتعلمين بأن الاحساس بالندم هو أقسى المشاعر
ايلاما على الاطلاق! والله لهي أشد وطأة وقسوة على النفس من مشاعر الوحدة المزعجة
,فكيف ان كان هذا الندم نتاج فقدان ملاك لا يمكن أن يعوض كأنتِ.
ليتهم يعرفوك كما عرفتك, ليتك تخرجين قليلا
من عزلتك وتمنحينهم جزء من فرصة ليطمئنوا بأن الحياة لا زالت تحمل كل هذا الجمال والصدق
والبراءة مجتمعة في قلب واحد..
ساءت أحوالي جدا بعدما تركتني, دخلت في دوامة
اكتئاب مقيتة لمدة شهرين , مذهولا مما حدث أو بالأحرى مما أحدثته أنا وكنت سببا
أوليا فيه. حاول "عمر" أن يخرجني مما أنا فيه دون أن يسألني تفسيرا لما
كنت أعيشه من أسى , وكدت أخسره إلى الأبد بعد تلك المحاولة.
بات المقهى هو عالمي الذي أقضي فيه جل وقتي
بعد العمل متأملا أن ألمحك ولو من بعيد في احدى زواياه وأنت تقرأين رواية بالانجليزية
ل جوني اوستن أو تكتبين عن حالة النشوة
التي تنتابك وأنت تشمين رائحة القهوة..
في احدى المرات وأنا أهم في دخول المقهى
,رأيتك في الطرف الآخر من المجمع آية في
الجمال كما رأيتك أول مرة ,فارغة الطول ,رشيقة القوام ترتدين جاكيتا عنابيا وتنورة
سوداء بمعية فتاة موشحة بالسواد. ركضت نحوك بهستيرية غير مبال بتلك الحشود التي
تملئ المجمع, شعرت وقتها وأنا أسير وسط تلك الحشود كمن يسير ببطء إلى الحياة بعد
الموت,لأكتشف بعدها بثوان بأنني لم أكن ماضيا سوى إلى موت آخر وخيبة أمل جديدة..
التفتت نحوي ذات الجاكيت العنابي مبتسمة , ولم تكن أنتِ..
للحديث بقية..
17/10/2014
ردحذفجزاكم الله خيرا"
شركه تنظيف
واااااو ♡
ردحذف