بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 مايو 2011

بعد غياب




لم أكن أتوقع بأن هذه الصفحة التي بدأت حكايتها لقتل وقت طويل كنت مستعدة أن أهبه لكل من يريده بالمجان, ستصبح اليوم جزء كبير ومهما من( أنا ).



بعد غياب طويل ثمة أمور كثيرة جدا لتحكى ,تتصادم الكلمات في رأسي المزدحم بكل شيء وأنا أتنقل بين ممرات مستشفى الجامعة أتأمل تفاصيل الوجوه بطريقة لم أعتدها واستغربتها من عيناي المنطفئتين ..


كانت بداية صعبة ومرهقة,انتابني عندها شعور ورغبة كبيرين بأن يكون يومي الأول هو ذاته الأخير هناك ,رغم أن الظروف المحيطة بالمكان لم تكن بالسيئة على الإطلاق,ولكن عندما يبتليك الله برخصة قيادة وسيارة وببلاهة دربية ممتازة , يتحتم عليك أن تراجع كل خرائط طرق العودة إلى البيت التي تزدحم بها حقيبة يدك قبل نهاية الدوام بساعة على أقل تقدير ,وأن تتأكد جيدا جدا بأن هاتفك برصيد كافي في حالة تهت في أحد الطرق –وهذا أمر متوقع جدا-..ولمغامراتي مع السياقة حكايات كثيرة سأرويها في تدوينة أخرى  .


لم يكن من السهل أبدا أن أعود إلى أي شيء يخص الدراسة أو العمل بعد بطالة طويلة وبلادة ذهنية متعبة ومحرجة في الوقت ذاته , كنت أعود الى كل عمل أقوم به أو أي معلومة أقراها أو تفاصيل عمل جهاز ما مرتين وثلاث لأتأكد من أنني أنجزت ما علي كما ينبغي ..


لا أستطيع أن أنكر كم كان العمل مع عينات الدم وزيارة المرضى في حالات نادرة ممتعا وشيئا جديدا جدا علي, إلا أنني في الوقت ذاته كنت أكرر بيني وبيني نفسي (الله يرحم أيام البطالة),بالأخص عندما أغلق منبه هاتفي ما يزيد عن الخمس مرات ,وينتهي بي الأمر أن لا أجد موقفا لسيارتي في المستشفى !!


اليوم وأنا أودع –كم أمقت لحظات الوداع -من عملت معهم, تمنيت لو أني اعتذرت للشرطي الذي يقف عند بنك الدم ,والذي استأت منه أكثر من مرة في داخلي ,لتكراره السؤال ذاته(لو سمحتي الأخت ,ممنوع الدخول) ,لم أكن أنطق بحرف وتلقائيا أشير إلى بطاقتي المعلقة في العباءة ,لا أذكر بأنني ألقيت عليه التحية الا مرة واحدة طوال فترة تدريبي في المستشفى .. كم نتصرف برداءة أحيانا لا ندركها إلا بعد أن نفارقهم!


معرفتي بآلاء كانت من أجمل الأمور التي حدثت لي في مستشفى الجامعة ,والتي منحتني إحساسا رائعا جدا كلما تذكرته الآن شعرت بالسعادة ,إلتقيتها في قسم الأطفال عندما قصدته مع مريم التي تعمل في القسم الذي أتدرب به ,ذهبنا لنجري لها فحصا لقياس كمية التعرق في جسمها ,كانت طفلة لطيفة للغاية ,لا يستطيع أي امرئ في العالم أن يقاوم مداعبتها ,تعلقت بي بشكل غريب ,حتى أنني أنا من أجرى لها جزء من الفحص رغم أنني لم أكن أجرئ أن أتعاطى مهمة كهذه ,لكن آلاء استسلمت ليداي بطواعية وحب كبيرين .. شكرا لك يا آلاء


(الله يفتح لك باب من أبواب الجنة) دعاء أثلج صدري ,دعت به عندما فتحت لها باب المختبر لاستلم منها عينات الدم ,اليوم لقيتها في الممر وأنا متوجهة إلى خارج المستشفى قلت لها ,أودعك لان اليوم هو آخر يوم لي هنا ,قالت لي : الله ينولك اللي في بالك بالضبط مثل ما تريديه , صافحتها بقوة وفرح وقلت آمين الله يسمع منك ..


كلما دخلت إلى مطعم المستشفى يحيني مبتسما ويسألني إن كنت أريد (كروسون بالزعتر ) رغم أنني لم أطلب منه كروسون غير مرة واحدة فقط ,اليوم جاءني كالعادة قلت له : I want a bowl for the soup<لم يعطني جوابا ,وغضبت منه في داخلي ظنا مني بأنه تجاهلني قلت له في نفسي: يعني ما اخترت تتجاهلني إلا في آخر يوم لي هنا !, بعدها بدقائق قليلة جاء صديقه بsoups bowls وناولني واحدة ,ندمت لأنني ظلمته ..


لأنني أصبحت أملك ذاكرة مهترئة بفعل البطالة الطويلة ,كان أمرا غير طبيعي أن أتذكر شكله منذ ثاني يوم لي وأنا أرتاد المطعم إلا أنه بدى لي يشبه ممثلا سوريا رأيته في احد المسلسلات منذ أشهر طويلة,فلتعذرني لأنني ظلمتك وأعدك بأن لي عودة بعد أسبوعين لأشرب من الsoup ذاته رغم أنني لا أخفيك بأنه كان بلا طعم !!


الآن وبعد هذه التجربة الجميلة بكل تفاصيلها ,أجد الأمر صعبا للغاية أن أعود إلى البطالة والروتين ذاته والبلادة الذهنية ذاتها ..


أتطلع إلى القادم بكثير من الخوف ولا أدري ماذا أيضا..........

4|5|2011
الموالح