بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

تجربتي مع الخمسين كتابا في عام 2015



كانت صديقتي دوما تردد"الفراغ يولد الرداءة" وان افترضت بأنني أتفق معها بشكل كبير، فالرداءة الأجمل التي منحني اياها الفراغ هي حب القراءة.

أذكر جيدا حكايتي مع الكتاب الأول،في احدى الاجازات الصيفية ذهبت وأمي الى زيارة لبيت جدي،في حين فاز اخوتي عليّ بزيارة إلى العاصمة حيث الترفيه وزيارة الحدائق،لم أكن قد تجاوزت العاشرة من عمري. لم أجد وقتها في بيت جدي سوى تلفزيون بقناة عمان فقط، التي لا تعرض الرسوم المتحركة إلا في وقت العصر ولا شيء آخر سوى مكتبة كبيرة متنوعة تحوي ألف كتاب ويزيد .بعد أن أخذ مني الملل والفراغ مأخذا ،شرعت بيأس أقرأ عناوين الكتب في المكتبة، فاستوقفني عنوان "لا أحد يكاتب الكولونيل "  لماركيز .

لم يكن بالغلاف ما يشد طفلة في العاشرة؛ ولكن استعصائي على استيعاب معنى الكولونيل هو ما جعلني اقرا الكتاب كاملا. لم يرق لي الكتاب بالطبع لأنني لم افهم منه شيئا تقريبا ، انتقلت بعدها بشكل عشوائي لرواية لنجيب الكيلاني التي راق لي استيعاب الكثير منها .

أسعدني قرائتي لكتابين كاملين ولأول مرةفي حياتي ،وحفزني ذلك بعدها على قراءة عدد جيد من روايات أجاثا كريستي..

لم تكن علاقتي بالقراءة بعدها منتظمة قط رغم توقي الدائم لإقتناء الكتب.كنت أقرأ بشكل عشوائي وبناء على ترشيحات خالي- الذي أدين له بالكثير في توثيق علاقتي بالكتب- ,مما كان سببا مباشرا في عدم معرفتي لتحديد ميولي القرائية لوقت طويل.

في ديسمبر من العام المنصرم –وكعادتي في نهاية كل عام- وضعت خطة لعام 2015 كان من أهم أهدافها  أن أنهي 50 كتابا، يكون خمسة عشر منها على الأقل بالانجليزية.

 أعترف بأنني لم أكن على ثقة بأنني قادرة على خوض تحدي كبير كهذا مع نفسي ،متخذة من ساعات عملي الطويلة والمرهقة وعدم تصالحي الجيد مع القراءة بالانجليزية –رغم ولعي بها- ذريعة لخوفي وعدم ثقتي. لكن قراءتي لستة وثلاثين كتابا في 2014 كانت حافزا جيدا للمضي قدما.
لم يكن الأمر يسيرا في الشهرين الأولين من السنة،حيث أن الخطة كانت تنص على انهاء 4 كتب في الشهر ،لكنني أنهيت هذه الأربعة في شهرين.

جاء بعدها معرض مسقط للكتاب، وللمرة الأولى في حياتي يجتاحني فيها ذاك النهم الجنوني لإقتناء الكتب، حيث اشتريت45كتابا وبشكل غير مدروس. أحسست بكثير من الندم والاحباط على الكم الهائل من الكتب التي لم أكن على أدنى ثقة من قدرتي على قراءة نصفها. ولأنني كائن لا يستسلم بسهولة قررت أن أجاهد نفسي المحبطة وبأن أكمل التحدي.

اليوم- وبعد أقل من سنة- نجحت وبجدارة في قراءة خمسين كتابا كان خمسة عشر منها بالانجليزية. لم تمنحني هذه التجربة تصالحا مع الكتاب كما منحتني تصالحا مع ذاتي قبل كل شيء.
أعترف بأنني أوليت اهتمامي الأكبر بالكم مع محاولة عدم اهمال النوع ؛ وذلك لأتغلب على بطئي في القراءة وأكون أكثر التزاما بتخصيص صفحات معينة ألزمت نفسي بقراءتها يوميا. 
  
 بالاضافة الى الانضباط والإلتزام، أكسبتني هذه التجربة قدرة على التركيز لم أكن أمتلكها،فقد كنت في أحيان كثيرة أقرأ في أماكن عامة تضج بالبشر وبالأصوات التي لم أكن أسمعها ولا أنتبه لها بسبب اندماجي وتركيزي بالكتاب الذي بين يدي.

تعلمت أن أسير مع الكاتب كامل رحلته من المقدمة الى الخاتمة متسلحة بالصبر في مواضع يطيل فيها الاستطراد أو يقحم فيها ما لا يتناسب مع مضمون الكلام في ذلك الموضع مؤجلة اطلاق حكمي أو رأي في الكتاب إلى أن أفرغ منه. وما أجمله من درس!

قرأت لأول مرة لعظماء كشريعتي وهنري ميلر، كان كتاب "الكتب في حياتي " لهنري ميلر هو الأجمل من بين الخمسين كتابا. لن أنسى بأن أشكر أوشو لأنه حفزني جدا على انهاء الجزء الأهم من هذه الرحلة المتمثل بقراءة خمسة عشر كتابا بالانجليزية.

وأخيرا..كرست هذه التجربة الرائعة بداخلي يقينا عميقا بأن القراءة هي الخلاص الأول والأخير من كل بؤس هذا العالم . فشكرا لكل من استعرت منه كتابا،وكل من رشح لي كتابا ،وكل من حفزني ولو بمنشور في الفيس بوك أو بتغريدة في تويترعلى القراءة..

رحمة آل خليفين

8/12/2015



الثلاثاء، 3 فبراير 2015

تفاصيل...



لا أدري إن كان عام واحد وبضعة أشهر هو زمن كاف لأن ينسى المرء فيها داخله ,ليكترث جدا بخارجه وتفاصيل كثيرة جدا مرهقة ,يوهم بها داخله بأنها سببا بطريقة أو بأخرى لتوازنه واستقراره!
أدرك جيدا بأن خداع الذات لهي من أجمل ملذات الحياة التي يمكن أن يمارسها المرء على ذاته ,وبأن النتائج مهما بدت غير مرضية في ثمة أحيان, إلا أن المتعة المتأتية من جراءها كفيلة بأن تخفف الكثير من الاحساس بمرارة الخيبة.

 لا أعلم حقيقة هل يمكن للداخل أن ينفصل عن الخارج!

عندما يصل المرء إلى مرحلة ينسى فيها روحه وقلبه ,ينسى فيها كيف يحب وكيف يبدي تعاطفه حيال الآخرين , ويعجز عن الشعور بالألم ولا تنتابه قط رغبة في البكاء مهما كانت حدة الأمر من حوله.

عندما تبلغ تلك الدرجة التي تصبح بها مهووسا بنوعية وكمية ما تأكل, وتظل تحسب وتزيد وتراقب السعرات الحرارية في كل جرام مما تأكله ,ويبلغ بك الندم وتأنيب الضمير مبلغا ان استهلكت نوعية بها سعرارات قليلة زائدةعن المعتاد ,


عندما يصل هوسك حد أن تتلذذ وتستمتع بكل الدقائق التي تقضيها في تصفح كل ما يخص الأطعمة التي تذيب الدهون , ومتابعة كل التمارين الرياضية للحصول على بطن مسطح وذراعين مشدودتين وقوام ممشوق.
وعندما يصر كل من حولك بأن توديع كيلوجرامات أخرى من وزنك سيحيلك حتما إلى هيكل عظمي ,وأنت تستنكر كل هذا في داخلك,ولا يزيدك استهجانهم سوى حماسة لفقد المزيد من الوزن.
عندما لا تكترث بتأمل ملامح وجهك التي بت لا تتذكرها في المرآة ,بينما تجد كل الوقت لتمارس الرياضة يوميا وتزور أخصائي التغذية  لتصبح بجسم رشيق !!


تفاصيل ...تفاصيل... تفاصيل..


والزمن أيضا لهو وهم غير لذيذ على الإطلاق وأكاد لأجزم بأن الأهتمام به لهي  الوسيلة الأسرع  للموت.
أن تظل تنقل بصرك بين ساعة يدك ,وبين ساعة سيارتك طوال ال40 دقيقة التي تقود فيها السيارة إلى عملك , لتحسب يوميا فرق الدقائق التي تصل فيها , ويلعب بك الاحباط معكرا صفوك منذ شروق الشمس, حيث أن تأخيرا عن السابعة ب5 دقائق يعني أن ما تبقى على بدء دوامك 55 دقيقة وليس ساعة!

أن تبقى مراقبا لساعة المختبر , وتقارن فارق ال4 دقائق بينها وبين ساعة هاتفك, وتكرر الأمر ذاته يوميا, مما يحدث بداخلك ارتباكا وحنقا لا مبرر لهما البتة.

أن يأخذ جهاز قياس بعض المعادن في المختبر 5 أو 10 أو 20 دقيقة انتظار ريثما ينتهي التفاعل الكيميائي ويرن الجرس معلنا انتهاء الوقت  لتسجل النتيجة بعدها, في هذه الأثناء تقصد المختبر الملاصق لجهازك لاجراء فحص كيميائي من نوع آخر يأخذ ذات الوقت الذي يأخذه الجهاز ,تظل طلية تلك الدقائق تنظر لساعة الحائط مما يبطء في ادائك ليرن جرس العمل الأول وأنت لم تنتهي من الثاني , يصيبك الارتباك ويتشتت ذهنك ويتعكر صفوك!

عندما تقرر أن تمارس المشي لمدة ساعة وتظل تحسب كم من الوقت انقضى بين الفينة والاخرى,تفعل هذا قلقا رغم أنك تستمتع جدا بما تفعله في اللحظة ,لكن صوت داخلي يجعلك تستعجل الساعة ليمر الوقت وتنتقل لعمل آخر بعد الرياضة,لتفقد كل ما يمكن أن يسمى بالمتعة!
زمن= قلق+توتر+توجس دائم+ترقب

يحدث كل هذا فتفقد ذاك الشعور باللذة والحب والجمال التي يمكن أن تمنحها اياك ما يفترض أن تكون ملذاتك

تفاصيل..تفاصيل... تفاصيل...


  عندما تصبح آليا محموما ,مشغولا ,مترقبا طيلة الوقت في كل دقائق يومك للخارج متناسيا الداخل ,فأنت تهرب من أمر بات لا بد من تكليف نفسك كل العناء لكشف ماهيته وإلا فقدت روحك بلا رجعة.


21:58 م
3/2/2015
الموالح