الحكاية الأولى : بيبيتي
التاريخ: ضاع مع الزمن منذ خمسة عشر عاما
اليوم : السبت
المكان : بيتنا الأبيض
(1)
في مساء سبت مرت عليه سنون طويلة ,مع أخي الصغير وأمي الحريصة قصدنا بيت الخالة (سعوده)لتعزيها أمي في وفاة أحد أقرباءها .. كان واجب اجتماعي كهذا ثقيل جدا على فتاة لم تبلغ التاسعة من عمرها آنذاك بالأخص عندما ترغمها أمها على مرافقتها , ولكن مكافئة الخضوع لرغبة الماما وهي مشوار إلى دكان (عبد الشكور الهندي كان كفيلا بأن ينسيها ثقل الزيارة ولا يذكرها سوى بمينو غالية وسقاية و توفي لك!!
في أقل من ربع ساعة تقريبا كانت الخالة سعودة تشكر أمي على زيارتها وتزودنا أنا وأخي العفريت بمينو (بوفاك عُمان) وكأنها كانت تعلم بأن فرحتنا بمشوار قصير إلى دكان عبد الشكور لن تكتمل!!
بجانب الدكان أهمس لامي: أمي هذيك (ماريا)(1) من بعيد تشوف علينا !!
أمي: لا ما هي , أنا مسكرتنه الباب الشاوري (2) مال البيت, كيف بتطلع!
يقبل علينا في اللحظة ذاتها طفل بدا وكأنه في العاشرة من عمره بدشداشته التي بدت غير مكوية بعناية ليباغت أمي قائلا بعد إلقاء التحية:انتي اسمك ريا؟
أمي: ايوة
هو: حد هناك في البيت معكم مريض
تركض أمي وأسرع وراءها ممسكة بيد أخي الصغير وهو كعادته يضحك بطريقة غرائبية وبدون أسباب واضحة ويطوي جزء من لسانه محدثا صوتا مقززا, تسقط إحدى فردتي حذاءه ونحن في منتصف الطريق , أمي تصل إلى البيت , ولا تنتبه أنها أضاعتنا وراءها , أعود مع العفريت الصغير للبحث عن فردة الحذاء وكلي خوف وقلق وإحساس بالحزن يتملكني وكأنني أدرك بأنني سأفقد أحدهم بعد اقل من ساعة !!
(2)
في مجلس بيتنا الأبيض على سجادة حملت لونا ازرق سماوي تماما كلون المصابيح في معظم أجزاء منزلنا, أنا وبيبتي نفترش الأرض , تقرا من كتاب العربي للصف الثالث الابتدائي درس الذئب والثعلب .. تختم الدرس بلغتها الفصيحة ( ومات جزاء خبثه ومكره)!!
استمع إليها باهتمام كبير , وبدهشة اكبر , كيف لعجوز مثلها أن تكون فصيحة إلى هذه الدرجة !
أنا: بيبتي انتي كيف تعرفي تقري زين وانتي ما تروحي المدرسة ؟ من علمش تقري؟
هي( بابتسامتها التي تعكس روحها الطاهرة): أنا تعلمت من زمان أقرا عند المعلمة في مدرسة القران من يوم كنا في أفريقيا , وختمت القران وايد..
أنا: حتى أنا يوم اكبر بختم القران
تقاطعنا أمي : بيبتي تعالن تعشين
(3)
تدخل أمي إلى البيت , تجدها مستلقية على فراشها في الصالة , تسألها : بيبتي ايش فيش ؟ ايش يعوقش(3)؟
..............
أنا وأخي في الأرجوحة , ولا زال الأهبل يضحك ويلعب بلسانه , أحاول بأن اسلي نفسي واسكت صوتا بداخلي يقول بأنها ربما ستموت ...
تتصل أمي بجدي: خالي بيبتي تعبانه , تعال تو تو
جدي: ما أقدر تو يأذن , بروح أصلي
أمي : لازم تجي تو تو
(4)
كان يوم خميس ,أمي مخاطبة إياي: فرشي حال بيبيتي السجادة عشان تصلي
أنا: انزين
افرش لها سجادة الصلاة البنية والتي رسمت عليها صورة الكعبة, تخرج من الحمام متجهة إلى السجادة , ترجع كمي دشداشتها العمانية لتغطي كامل يديها الملفتتان للنظر ببياضهما الناصع ..
تنظر اللي وتقول: انا عدت ورا باكر رايحة عنكم
أنا: هين ماشية بيبيتي؟
هي: بموت
أنا (ببراءة ): لا تقولي كذاك بيبتي
(5)
جدي وأمي في وسط الصالة التي بدت مظلمة زيادة في ذلك اليوم , يحاولان سقيها بعض الماء , لكنه لم يكن ليصل إلى بطنها ...
أنا مع ماريا في المطبخ أكابد دموعي : بيبيتي ما في موت صح
................
في السابعة تماما من مساء السبت ومع (الله اكبر ) بصوت عمي راشد تلفظ بيبتي أنفاسها الأخيرة وترحل عنا بعيدا جدا......
(1): خادمتنا الأسيوية
(2): الباب الخارجي للمنزل
(3): يؤلمك
التاريخ: ضاع مع الزمن منذ خمسة عشر عاما
اليوم : السبت
المكان : بيتنا الأبيض
(1)
في مساء سبت مرت عليه سنون طويلة ,مع أخي الصغير وأمي الحريصة قصدنا بيت الخالة (سعوده)لتعزيها أمي في وفاة أحد أقرباءها .. كان واجب اجتماعي كهذا ثقيل جدا على فتاة لم تبلغ التاسعة من عمرها آنذاك بالأخص عندما ترغمها أمها على مرافقتها , ولكن مكافئة الخضوع لرغبة الماما وهي مشوار إلى دكان (عبد الشكور الهندي كان كفيلا بأن ينسيها ثقل الزيارة ولا يذكرها سوى بمينو غالية وسقاية و توفي لك!!
في أقل من ربع ساعة تقريبا كانت الخالة سعودة تشكر أمي على زيارتها وتزودنا أنا وأخي العفريت بمينو (بوفاك عُمان) وكأنها كانت تعلم بأن فرحتنا بمشوار قصير إلى دكان عبد الشكور لن تكتمل!!
بجانب الدكان أهمس لامي: أمي هذيك (ماريا)(1) من بعيد تشوف علينا !!
أمي: لا ما هي , أنا مسكرتنه الباب الشاوري (2) مال البيت, كيف بتطلع!
يقبل علينا في اللحظة ذاتها طفل بدا وكأنه في العاشرة من عمره بدشداشته التي بدت غير مكوية بعناية ليباغت أمي قائلا بعد إلقاء التحية:انتي اسمك ريا؟
أمي: ايوة
هو: حد هناك في البيت معكم مريض
تركض أمي وأسرع وراءها ممسكة بيد أخي الصغير وهو كعادته يضحك بطريقة غرائبية وبدون أسباب واضحة ويطوي جزء من لسانه محدثا صوتا مقززا, تسقط إحدى فردتي حذاءه ونحن في منتصف الطريق , أمي تصل إلى البيت , ولا تنتبه أنها أضاعتنا وراءها , أعود مع العفريت الصغير للبحث عن فردة الحذاء وكلي خوف وقلق وإحساس بالحزن يتملكني وكأنني أدرك بأنني سأفقد أحدهم بعد اقل من ساعة !!
(2)
في مجلس بيتنا الأبيض على سجادة حملت لونا ازرق سماوي تماما كلون المصابيح في معظم أجزاء منزلنا, أنا وبيبتي نفترش الأرض , تقرا من كتاب العربي للصف الثالث الابتدائي درس الذئب والثعلب .. تختم الدرس بلغتها الفصيحة ( ومات جزاء خبثه ومكره)!!
استمع إليها باهتمام كبير , وبدهشة اكبر , كيف لعجوز مثلها أن تكون فصيحة إلى هذه الدرجة !
أنا: بيبتي انتي كيف تعرفي تقري زين وانتي ما تروحي المدرسة ؟ من علمش تقري؟
هي( بابتسامتها التي تعكس روحها الطاهرة): أنا تعلمت من زمان أقرا عند المعلمة في مدرسة القران من يوم كنا في أفريقيا , وختمت القران وايد..
أنا: حتى أنا يوم اكبر بختم القران
تقاطعنا أمي : بيبتي تعالن تعشين
(3)
تدخل أمي إلى البيت , تجدها مستلقية على فراشها في الصالة , تسألها : بيبتي ايش فيش ؟ ايش يعوقش(3)؟
..............
أنا وأخي في الأرجوحة , ولا زال الأهبل يضحك ويلعب بلسانه , أحاول بأن اسلي نفسي واسكت صوتا بداخلي يقول بأنها ربما ستموت ...
تتصل أمي بجدي: خالي بيبتي تعبانه , تعال تو تو
جدي: ما أقدر تو يأذن , بروح أصلي
أمي : لازم تجي تو تو
(4)
كان يوم خميس ,أمي مخاطبة إياي: فرشي حال بيبيتي السجادة عشان تصلي
أنا: انزين
افرش لها سجادة الصلاة البنية والتي رسمت عليها صورة الكعبة, تخرج من الحمام متجهة إلى السجادة , ترجع كمي دشداشتها العمانية لتغطي كامل يديها الملفتتان للنظر ببياضهما الناصع ..
تنظر اللي وتقول: انا عدت ورا باكر رايحة عنكم
أنا: هين ماشية بيبيتي؟
هي: بموت
أنا (ببراءة ): لا تقولي كذاك بيبتي
(5)
جدي وأمي في وسط الصالة التي بدت مظلمة زيادة في ذلك اليوم , يحاولان سقيها بعض الماء , لكنه لم يكن ليصل إلى بطنها ...
أنا مع ماريا في المطبخ أكابد دموعي : بيبيتي ما في موت صح
................
في السابعة تماما من مساء السبت ومع (الله اكبر ) بصوت عمي راشد تلفظ بيبتي أنفاسها الأخيرة وترحل عنا بعيدا جدا......
(1): خادمتنا الأسيوية
(2): الباب الخارجي للمنزل
(3): يؤلمك
لا اراك الله في عزيز مكروه ...
ردحذف