كانت صديقتي دوما تردد"الفراغ يولد
الرداءة" وان افترضت بأنني أتفق معها بشكل كبير، فالرداءة الأجمل التي منحني
اياها الفراغ هي حب القراءة.
أذكر جيدا حكايتي مع الكتاب الأول،في احدى
الاجازات الصيفية ذهبت وأمي الى زيارة لبيت جدي،في حين فاز اخوتي عليّ بزيارة إلى
العاصمة حيث الترفيه وزيارة الحدائق،لم أكن قد تجاوزت العاشرة من عمري. لم أجد
وقتها في بيت جدي سوى تلفزيون بقناة عمان فقط، التي لا تعرض الرسوم المتحركة إلا
في وقت العصر ولا شيء آخر سوى مكتبة كبيرة متنوعة تحوي ألف كتاب ويزيد .بعد أن أخذ
مني الملل والفراغ مأخذا ،شرعت بيأس أقرأ عناوين الكتب في المكتبة، فاستوقفني
عنوان "لا أحد يكاتب الكولونيل " لماركيز .
لم يكن بالغلاف ما يشد طفلة في العاشرة؛
ولكن استعصائي على استيعاب معنى الكولونيل هو ما جعلني اقرا الكتاب كاملا. لم يرق
لي الكتاب بالطبع لأنني لم افهم منه شيئا تقريبا ، انتقلت بعدها بشكل عشوائي
لرواية لنجيب الكيلاني التي راق لي استيعاب الكثير منها .
أسعدني قرائتي لكتابين
كاملين ولأول مرةفي حياتي ،وحفزني ذلك بعدها على قراءة عدد جيد من روايات أجاثا
كريستي..
لم تكن علاقتي بالقراءة بعدها منتظمة قط رغم
توقي الدائم لإقتناء الكتب.كنت أقرأ بشكل عشوائي وبناء على ترشيحات خالي- الذي
أدين له بالكثير في توثيق علاقتي بالكتب- ,مما كان سببا مباشرا في عدم معرفتي لتحديد
ميولي القرائية لوقت طويل.
في ديسمبر من العام المنصرم –وكعادتي في
نهاية كل عام- وضعت خطة لعام 2015 كان من أهم أهدافها أن أنهي 50 كتابا، يكون خمسة عشر منها على الأقل
بالانجليزية.
أعترف بأنني لم أكن على ثقة بأنني قادرة على خوض
تحدي كبير كهذا مع نفسي ،متخذة من ساعات عملي الطويلة والمرهقة وعدم تصالحي الجيد
مع القراءة بالانجليزية –رغم ولعي بها- ذريعة لخوفي وعدم ثقتي. لكن قراءتي لستة
وثلاثين كتابا في 2014 كانت حافزا جيدا للمضي قدما.
لم يكن الأمر يسيرا في الشهرين الأولين من
السنة،حيث أن الخطة كانت تنص على انهاء 4 كتب في الشهر ،لكنني أنهيت هذه الأربعة
في شهرين.
جاء بعدها معرض مسقط للكتاب، وللمرة الأولى
في حياتي يجتاحني فيها ذاك النهم الجنوني لإقتناء الكتب، حيث اشتريت45كتابا وبشكل
غير مدروس. أحسست بكثير من الندم والاحباط على الكم الهائل من الكتب التي لم أكن
على أدنى ثقة من قدرتي على قراءة نصفها. ولأنني كائن لا يستسلم بسهولة قررت أن
أجاهد نفسي المحبطة وبأن أكمل التحدي.
اليوم- وبعد أقل من سنة- نجحت وبجدارة في
قراءة خمسين كتابا كان خمسة عشر منها بالانجليزية. لم تمنحني هذه التجربة تصالحا
مع الكتاب كما منحتني تصالحا مع ذاتي قبل كل شيء.
أعترف بأنني أوليت اهتمامي الأكبر بالكم مع
محاولة عدم اهمال النوع ؛ وذلك لأتغلب على بطئي في القراءة وأكون أكثر التزاما
بتخصيص صفحات معينة ألزمت نفسي بقراءتها يوميا.
بالاضافة
الى الانضباط والإلتزام، أكسبتني هذه التجربة قدرة على التركيز لم أكن أمتلكها،فقد
كنت في أحيان كثيرة أقرأ في أماكن عامة تضج بالبشر وبالأصوات التي لم أكن أسمعها
ولا أنتبه لها بسبب اندماجي وتركيزي بالكتاب الذي بين يدي.
تعلمت أن أسير مع الكاتب كامل رحلته من
المقدمة الى الخاتمة متسلحة بالصبر في مواضع يطيل فيها الاستطراد أو يقحم فيها ما
لا يتناسب مع مضمون الكلام في ذلك الموضع مؤجلة اطلاق حكمي أو رأي في الكتاب إلى
أن أفرغ منه. وما أجمله من درس!
قرأت لأول مرة لعظماء كشريعتي وهنري ميلر،
كان كتاب "الكتب في حياتي " لهنري ميلر هو الأجمل من بين الخمسين كتابا.
لن أنسى بأن أشكر أوشو لأنه حفزني جدا على انهاء الجزء الأهم من هذه الرحلة
المتمثل بقراءة خمسة عشر كتابا بالانجليزية.
وأخيرا..كرست هذه التجربة الرائعة بداخلي
يقينا عميقا بأن القراءة هي الخلاص الأول والأخير من كل بؤس هذا العالم . فشكرا
لكل من استعرت منه كتابا،وكل من رشح لي كتابا ،وكل من حفزني ولو بمنشور في الفيس
بوك أو بتغريدة في تويترعلى القراءة..
رحمة آل خليفين
8/12/2015