بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 يوليو 2010

هـــــــــــــــــــــــــــــلوسات





في لحظات كثيرة من حياتنا نحاول جاهدين أن نبدو بمظهر العقلاء المدركين لكل شيء , والمحللين للأحداث في أحيان متقدمة أخرى.



في غمرة نضجنا العقلي –كما يتهيأ لنا حينها-قد نرفض أمورا بشدة مبالغ فيها بالأخص إن كنا من أصحاب الأدرينالين الدائم الارتفاع ...


ولكن في حالات استثنائية جدا قد نسلخ ثوب العقلانية هذه لنعيش ونصدق أفكارا لطالما اعتقدنا بأن مستوى نضجنا لا ينحدر أو لا يرقى إلى أن يعتنقها..


في هذه الأيام أجدني مستغنية وجدا عن عباءة العقلانية والتحليل هذه, فهي ليست أكثر من غشاوة تعمينا عن عالم آخر جميل مغاير تماما لعالم الإدراك الذي يعاني فيه أصحاب العقول والفهم كثيرا ..


الجنون فن .. و المجانين وأصحاب التخلف العقلي هم الفائزون , فوحدهم هؤلاء الذين يستطيعون ببراعة كبيرة أن يخلقوا لهم عالما خاصا بهم ومسلسلا متكاملا , يمارسون فيه حريتهم المطلقة دون أية تدخلات سواء من عالمهم الخارجي أو من عالم العقلاء الأشقياء...


لهم الحرية في اختيار شخصيات عوالمهم , وتبديلها أيضا إن استدعى الأمر وذلك وقتما وكيفما رغبوا, وهم أنفسهم وفقط من يرسم سيناريو وخط سير الأحداث في حكاياتهم , ويملكون قدرة رهيبة على التخيل لا يملكها جيرانهم في العالم الأخر من العقلاء..


الجميل في الأمر أن عالم الجنون هو عالم واسع للغاية , وحكاياته متنوعة , وهنالك خصوصية كبيرة وتميز أيضا, فلكل مجنون فيه حكايته التي قد لا تتشابه أبدا لا في شخوصها ولا في فحواها عن زميله الأخر . وهذا ما لا نجده في عالم العقلاء وأصحاب الإدراك , فالجميع هنالك يشبهون بعضهم ويحاولون تقليد بعضهم , فالتميز عندهم حالة استثنائية نادرة..


يعيش المجانين حالات خوف وقلق اقل بكثير من العقلاء وأصحاب الإدراك ، لان همومهم فردية خالصة , وعالمهم منعزل , فلا نجد مجنونا مثلا يقلق أو يكترث بشأن الفقر أو انحدار مستوى التعليم أو تفشي داء البطالة في المجتمع من حوله, ولا يلقي بالا لتدخلات أمريكا في حرب العراق ضد إيران, أو في ليبرالية بريطانيا , أو الإرهاب والعنصرية وغيرها ...


هم العقلاء وأصحاب الإدراك فقط من يوجهون الخطابات للرؤؤس الكبيرة في دولهم لرفع رواتبهم, أو من يتذمرون من سوء تخطيط الشوارع في عواصمهم, أو ينتقدون مناهج جامعتهم الكبرى وبعد هذا وذاك ينتظرون دورهم في عيادة طبيب نفسي لا يروي سوى اسطوانات التأقلم مع الواقع العقلاني ذاتها في كل مرة!!


لا ادري بعد كل هذا من الجدير بالشفقة : هل هم المجانين ذوي الحريات المطلقة , أم أصحاب العقول والإدراك ذوي النداءات الغير مسموعة !!


:


:


3:7 ص


السبت:31/7/2010


ابراء




















الأحد، 25 يوليو 2010

نـــــــــــــــــــــــــــــــــــــداء


من عاطلة عن العمل إلى جميع من يهمه أمر هذا الوطن:


ملاحظة: عاطلة عن العمل وليست باحثة عنه , فثمة فرق بين الاثنتين البحث عن عمل يتطلب وجود فرص عمل حقيقية يمكن أن يتكلف المرء مشقة العناء والبحث عنها , أما إن لم تكن هذه الفرص موجودة أصلا , فعن ماذا سيبحث, في هذه الحالة لن يكون سوى عاطلا عنه وبامتياز أيضا..


لندع عنا هذه المثاليات والشعارات العالية التي تنادي : بأننا نحن من يجب أن يوجد هذه الفرص , ومن يسعى لخلق ظروفها , وانه ما من عاطل عن العمل هنا , بل هنالك باحثين عنه.


التفاؤل الزائد قاتل في معظم الأحيان , بل هو محاولة بائسة جدا لخلق حقائق مغايرة للواقع ,فلم نضحك على ذواتنا ونوهمها بأشياء من أشباه المستحيل تطبيقها!!


كيف لامرئ يقطن بلدة يابسة جافة خاوية من كل شيء تقبع في داخلية عمان أو شرقيتها ,تنعدم فيها ابسط وسائل الترفيه والاستجمام والترويح عن النفس والجسد والروح والعقل, أن يوجد فرصا للعمل أو أن يقدم مشروعا إبداعيا ينعكس إيجابا عليه وعلى مجتمعه!!


هنا تفرض مشكلة رئيسية مهمة نفسها وهي أن 99% من الوظائف والأنشطة الاجتماعية والثقافية تتركز في العاصمة , فوحدهم سكانها من ينعمون بامتيازاتها , بينما تعيش الأجزاء الأخرى من الوطن( شرقيتها , وداخليتها ..... الخ) انفصالا ثقافيا واجتماعيا حقيقيا و خطيرا عنها وعن جميع امتيازاتها !!


الأمر ليس هينا أبدا ولا يحتمل مزيدا من الإهمال وسوء تقدير للأمور , فقد باتت البطالة داء يهدد المجتمع العماني بأكمله ليس على نطاق العاطلين عن العمل فحسب , بل و العاملين منهم أيضا ..


فلا يكاد أي بيت عماني يخلو من فردين أو ثلاثة عاطلين عن العمل , وهذا يخلق حالة من البؤس والضياع والاكتئاب أحيانا لا تنعكس سلبا على غير العاملين فحسب بل على جميع أفراد الأسرة , بالإضافة إلى ذلك وبحكم أن الأسر العمانية في غالبيتها كبيرة ( ثمانية أشخاص على الأقل , ولان متوسط دخل الفرد ضعيفا مقارنة بمتطلبات الحياة في الوقت الراهن) نجد أن رب الأسرة ومعيلها يكون قد انفق الكثير من المال ليعلم أبناءه في مؤسسات تعليمية خاصة , معلقا جل آماله أن يعوضه ابنه أو ابنته تعب تلك السنين , ليحبط بعدها انه/أنها لن يكون سوى عبئا زائدا ظن انه تخلص منه...


للأسف الشديد نجد أن معضلة البطالة في عمان لم تلقى حقها من الدراسة إطلاقا , فلا نكاد نجد إحصائيات أو أرقاما حقيقية تصف الواقع البائس الذي يعيشه المجتمع,عندما نصل إلى مسألة البطالة يبقى كل شيء مسكوتا عنه , وتكاد الشفافية والمرونة في التعامل مع هذا الأمر معدومة ..


أؤكد من جديد خطورة الوضع هنا فلو تريثنا قليلا في المصائب التي قد تنهال علينا من جراء هذا الداء الفتاك لأدركنا أهمية دراسة الأمر والوقف عنده وقفة جادة صارمة بعيدا عن أية مثاليات وشعارات بالية ..


لنأخذ-على سبيل المثال وليس الحصر:


1-الحالة النفسية التي يعيشها العاطل عن العمل لمدة قد تمتد إلى سنة أو سنتين على اقل تقدير من اكتئاب , وإحباط , وبؤس, والشعور بالا جدوى , والتحسر على سنوات الدراسة الطويلة , وما يترتب على ذلك من سلوكيات طائشة كالسرقة , أو تكسير السيارات, الإدمان على الانترنت, المخدرات والتدخين وشرب الكحوليات , العلاقات الغير شرعية بين الجنسين , الفراغ العاطفي والفكري...... الخ


جميعها أمور لا يجوز أبدا التغاضي عنها لأنها حتما ستدمر الفئة الأكثر أهمية وفائدة للمجتمع , ناهيك عن آثارها الاجتماعية والاقتصادية السلبية على الأفراد كافة.


2- تسهم ظاهرة البطالة بشكل كبير إلى التقليل من انتماء المرء لوطنه , وذلك من جراء شعوره الكبير بالظلم الذي يمارسه عليه مجتمعه من ضياع لكل حقوقه كباحث عن عمل ..


لو تساءلنا : ما هي حقوق الباحثين عن عمل في وطن كعمان؟


لم أقرا ولم أجد أية فئة مختصة بالتوظيف أو أية صحيفة أو مجلة عمانية تناولت موضوع البطالة بجدية تامة أو عرضت لنا معاناة الظلم وهضم الحقوق التي يعانيها الباحثون عن عمل , كل ما قيل في هذا السياق لا يتجاوز رؤؤس أقلام ,وفي معظمه إلقاء اللوم على الباحثين عن عمل لترفعهم عن امتهان الأعمال الأبسط من البسيطة ...


ولا يفوتني هنا أن اذكر بأن التشغيل والاهتمام بتطوير الفئات العاملة الوافدة في مجال أعمالهم على حساب أبناء الوطن يعتبر أشد وأقسى مظهر من مظاهر هضم حقوق الباحثين عن عمل..


لتجد أن معظم الاختصاصين وأصحاب المناصب الكبرى في المجتمع هم من الوافدين بحجة أنهم يملكون خبرة ومعرفة اكبر من العماني..


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا يعطى العماني الفرصة ذاتها ليتعلم ويتطور في مجاله ليصبح اختصاصيا محترفا !!!


من أين للعماني المتخرج حديثا أن يمارس تخصصه ويكتسب خبرة إن كانت كل إعلانات الوظائف في القطاعين معا العام والخاص لا تطلبان خبرة تقل عن سنتين كأقل تقدير !! عجبا من أين له بهذه الخبرة إن لم يعطى الفرصة كي يدخل سوق العمل !!!!!


ختاما: المسألة في غاية الخطورة , والإسراع لإيجاد حلول منصفة والسير على نهج واضح ودقيق من شأنه أن يجنبنا الكثير من المصائب والخسائرمستقبلا وإلا لتحول المجتمع إلى دمار وفقر ومجزرة ولنلنا ترتيبا متقدما مخزيا في مصاف الدول النامية...

























الجمعة، 9 يوليو 2010

سالم آل توية روائيا!!


بعد غياب طويل عن الكتابة والساحة الادبية , ها هو القاص والكاتب العماني سالم آل توية يقبل علينا من جديد وروائيا هذه المرة.

اليوم صدرت الرواية الاولى لسالم عن دار نينوى بعنوان (أيوب شاهين )..

باختصار , تدور احداث الرواية حول أيوب شاهين- وهي الشخصية الاساسية في الرواية - انسان بسيط جدا يعيش واقعا يرفضه بصمت ,يظل الى لحظة حياته الاخيرة يتذكر حميدة الزنجبارية التي حرم من الارتباط بها لكونه ينتمي الى قبيلة لا يعترف بعروبتها في مجتمع قبلي كعمان ..

يمزج الكاتب بين حياتين الاولى في قرية بسيطة في عمان والاخرى في نزيكا وزنجبار في افريقيا , ويناقش قضايا مهمة كالاخطاء الطبية المنتشرة في مجتمعنا والمسكوت عنها .
أيوب شاهين كشخصية مستفزة تصيبك بالقلق والحيرة وتدعك تنفصل عن عالمك الخارجي لتعيش معه كل تفاصيل حياته...

أتمنى لكم رحلة ممتعة مع أيوب شاهين
مرفق الفصل الاول من الرواية
http://rapidshare.com/files/406003824/______________________________________________.docx

الخميس، 8 يوليو 2010

لي مع الموت حكايات ثلاث

الحكاية الأولى : بيبيتي







التاريخ: ضاع مع الزمن منذ خمسة عشر عاما


اليوم : السبت


المكان : بيتنا الأبيض






(1)


في مساء سبت مرت عليه سنون طويلة ,مع أخي الصغير وأمي الحريصة قصدنا بيت الخالة (سعوده)لتعزيها أمي في وفاة أحد أقرباءها .. كان واجب اجتماعي كهذا ثقيل جدا على فتاة لم تبلغ التاسعة من عمرها آنذاك بالأخص عندما ترغمها أمها على مرافقتها , ولكن مكافئة الخضوع لرغبة الماما وهي مشوار إلى دكان (عبد الشكور الهندي كان كفيلا بأن ينسيها ثقل الزيارة ولا يذكرها سوى بمينو غالية وسقاية و توفي لك!!


في أقل من ربع ساعة تقريبا كانت الخالة سعودة تشكر أمي على زيارتها وتزودنا أنا وأخي العفريت بمينو (بوفاك عُمان) وكأنها كانت تعلم بأن فرحتنا بمشوار قصير إلى دكان عبد الشكور لن تكتمل!!


بجانب الدكان أهمس لامي: أمي هذيك (ماريا)(1) من بعيد تشوف علينا !!


أمي: لا ما هي , أنا مسكرتنه الباب الشاوري (2) مال البيت, كيف بتطلع!


يقبل علينا في اللحظة ذاتها طفل بدا وكأنه في العاشرة من عمره بدشداشته التي بدت غير مكوية بعناية ليباغت أمي قائلا بعد إلقاء التحية:انتي اسمك ريا؟


أمي: ايوة


هو: حد هناك في البيت معكم مريض


تركض أمي وأسرع وراءها ممسكة بيد أخي الصغير وهو كعادته يضحك بطريقة غرائبية وبدون أسباب واضحة ويطوي جزء من لسانه محدثا صوتا مقززا, تسقط إحدى فردتي حذاءه ونحن في منتصف الطريق , أمي تصل إلى البيت , ولا تنتبه أنها أضاعتنا وراءها , أعود مع العفريت الصغير للبحث عن فردة الحذاء وكلي خوف وقلق وإحساس بالحزن يتملكني وكأنني أدرك بأنني سأفقد أحدهم بعد اقل من ساعة !!










(2)


في مجلس بيتنا الأبيض على سجادة حملت لونا ازرق سماوي تماما كلون المصابيح في معظم أجزاء منزلنا, أنا وبيبتي نفترش الأرض , تقرا من كتاب العربي للصف الثالث الابتدائي درس الذئب والثعلب .. تختم الدرس بلغتها الفصيحة ( ومات جزاء خبثه ومكره)!!


استمع إليها باهتمام كبير , وبدهشة اكبر , كيف لعجوز مثلها أن تكون فصيحة إلى هذه الدرجة !


أنا: بيبتي انتي كيف تعرفي تقري زين وانتي ما تروحي المدرسة ؟ من علمش تقري؟


هي( بابتسامتها التي تعكس روحها الطاهرة): أنا تعلمت من زمان أقرا عند المعلمة في مدرسة القران من يوم كنا في أفريقيا , وختمت القران وايد..


أنا: حتى أنا يوم اكبر بختم القران


تقاطعنا أمي : بيبتي تعالن تعشين






(3)


تدخل أمي إلى البيت , تجدها مستلقية على فراشها في الصالة , تسألها : بيبتي ايش فيش ؟ ايش يعوقش(3)؟


..............


أنا وأخي في الأرجوحة , ولا زال الأهبل يضحك ويلعب بلسانه , أحاول بأن اسلي نفسي واسكت صوتا بداخلي يقول بأنها ربما ستموت ...


تتصل أمي بجدي: خالي بيبتي تعبانه , تعال تو تو


جدي: ما أقدر تو يأذن , بروح أصلي


أمي : لازم تجي تو تو






(4)


كان يوم خميس ,أمي مخاطبة إياي: فرشي حال بيبيتي السجادة عشان تصلي


أنا: انزين


افرش لها سجادة الصلاة البنية والتي رسمت عليها صورة الكعبة, تخرج من الحمام متجهة إلى السجادة , ترجع كمي دشداشتها العمانية لتغطي كامل يديها الملفتتان للنظر ببياضهما الناصع ..


تنظر اللي وتقول: انا عدت ورا باكر رايحة عنكم


أنا: هين ماشية بيبيتي؟


هي: بموت


أنا (ببراءة ): لا تقولي كذاك بيبتي






(5)


جدي وأمي في وسط الصالة التي بدت مظلمة زيادة في ذلك اليوم , يحاولان سقيها بعض الماء , لكنه لم يكن ليصل إلى بطنها ...


أنا مع ماريا في المطبخ أكابد دموعي : بيبيتي ما في موت صح


................


في السابعة تماما من مساء السبت ومع (الله اكبر ) بصوت عمي راشد تلفظ بيبتي أنفاسها الأخيرة وترحل عنا بعيدا جدا......






(1): خادمتنا الأسيوية

(2): الباب الخارجي للمنزل

(3): يؤلمك